ولد العالم العامل والغيث الهامع الشيخ الحضرمي لأبيه الشيخ محمد فاضل بن الشيخ محمد الأمين (مامين) بن الطالب اخيار بن الطالب محمد (أبي الأنوار) بن الجيه المختار وأمه اخديجتنا بنت الولي محمد الامين الأدهم من بيت شرف يعرف اليوم بأسرة أهل الشريف أحمد؛ في ما يعرف اليوم بمقاطعة النعمة بالحوض الشرقي عام 1242هـ – 1824م.
تربى على يدي والده ومنه وفي زاويته التي كانت عامرة يومها بالعلم والعلماء تلقى تعليمه حيث حفظ القرآن ودرس مختلف المتون المعروفة من تجويد وفقه ونحو ومنطق وبيان.فـ « صلح باطنه وكمل العلوم الظاهرة وألف التآليف وحرر المسائل وصادم الأعداء وأخجل العلماء »
في كتاب الخواتم لشيخنا الشيخ سعد أبيه بن شيخنا الشيخ محمد فاضل:
…..كان هذا الشيخ وليا كاملا وعالما عاملا ورعا غوثا وغيثا هامعا ونجما باليمن والبركة طالعا كان قواما لليل تتورم أقدامه من القيام ولا أعلم على وجه الأرض في زمنه أعلم منه ولا أورع ولا أتقى ولا أنقى (……….) وبالله الذي رفع السماوات وعظم الأسماء ما رأينا منذ خلقنا من يأخذ الدنيا والآخرة بيده معا من حيث أن لا تكون في واحدة منهما ثلمة سواه، لهذا كان شديد الإنفاق لا يسعى إلا في الوفاق ولا يحب الشقاق ولا يستحي من كلمة الحق ولا يقصر في إذلال أهل الفسق وعلى رأسه تاج الولاية وعلى جسده ثوب الاستقامة يكرم الضيوف ويعامل بالإنصاف حليما من غير مذلة عزيزا من غير تكبر ولا سطوة ولا يخاف في الله لومة لائم .
انتدبه أبوه شيخنا الشيخ محمد فاضل لخلافته وسياسة العشيرة من بعد أخيه الأكبر
الشيخ سيدي عثمان ( شيخنا الخليفة ) الخليفة الأول لشيخنا الشيخ محمد فاضل.
وقد عرف بالصرامة في الدين وبعد النظر والتبصر بأحوال أهل الزمن و كتب الله على يديه في حياة شيخنا الشيخ محمد فاضل حل العديد من المعضلات المتنزل حلها في سياق حفظ بيضة العشيرة ومن في عهدتها من الموارد والأنصار واللائذين بجوارها مما يخشى من غوائل زمن “السيبة” وتغلب منطق الأقوى رغم النشاط المكثف للمصلحين وأئمة النصح والإرشاد؛ وفي ضبط علاقاتها الخارجية والداخلية بما يضمن على نطاق أوسع مصالحها. «وكان أكثر عبادته منافع المسلمين فقد سد كل ثلمة عن عشيرته في حياة والده وإخوته الكبار الذين تقدموا وسلموا له الأمر من غير جدال ولا عناد وساس أمر عشيرته ووضع أساساها على قواعد الشريعة ورد عنها كل ملحد وجاحد مفسد (……) أزال الذل عن عشيرته وهو في عز والده»
وفي عهده اتسعت فضاءات تحرك القبيلة وانبرى أعلامها على هدي صحب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح للأمة ونهج مؤسس وواضع قواعد طريقتها(الفاضلية، القادرية) في التصوف ينشرون الخير و النور في كل حدب وصوب ويرسون بالحوض وما جاوره دعائم منطق رصين لدحض مقولات الإعراض عن الله وتقويض ما تستبطن هذه من ظلم وعسف؛ منطق ذي قسمات كالتي للذي يشيد في الآن ذاته من لدن كل من أخويه الشيخ سعدبوه والشيخ ماء العينين حيث شاء الله لكل منهما أن يستقر.
اعتبارا إذن بمؤهلات خاصة كان انتداب شيخنا الحضرمي للعب دور زمني إلى جانب الدور الروحي، دور فريد من نوعه بتفرد الشخصية التي رشحت له من لدن خبير بمعادن الرجال وبتفرد الفاضلية في الجمع بين الشريعة و الحقيقة.
شيخنا الحضرمي كان بحق العابد البكاء من الخشية الزاهد المنفق على الدوام المربي المنهض بحاله ومقاله. فلا زال يهدينا كما كان قد يهدي عبر ذكره الطيب الحسن وسيرته العطرة وطريقته المثلى وعبر بصمته المميزة من خلال مؤلفاته الرصينة “نور السالكين وجليس العارفين”ومؤلف له عديم الشكل في الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم وغيرهما.
ومن فيض شهادات معاصريه له نأخذ غيضا شهاتين شعرية ونثرية.
الشعرية يقول عابدين بن عبد الودود الأبياري
ما بال دمعك فوق خدك ينهمي أخيال من تهوى سرى لك موهنا أم نشرها هبت به ريح الصبا أم شاقك التغريد من قمرية أم بت تذكر وعد خود أخلفت إن الحسان إذا وعدن بنولة قد طال ما عذبن قبلك فتنة كم من فتى سلكت به سبل الردى أم شاع ذكر الغوث فاستحليته غيث اليتامى و السنون تتابعت |
سح الذهاب ولونه كالعندم أم لاح ضوء البارق المتبسم أهدت إليك أريجها بتنسم تنفك تذكر إلفها بترنم منتك لثم الخد أو لثم الفم أخلفن ظن المستهام المغرم وتبلن بالوجنات ألف متيم أصمين كل مؤخر ومقدم شيخ الشيوخ الفاطمي الحضرمي كهف الضعيف المستماح المطعم |
|||
من حاله والأولياء حواله وكأنما عزماته نحو العلى رحب الفناء لكل ضيف طارق الماجد ابن الماجدين أولى النهى نجل النبي الغالبي الهاشميـ فيه الخلافة قد بدت أعلامها أنواره تنبئك عن أحواله فسكوته بتفكر وكلامه قسم الزمان إلى عبادة ربه أحيانه مابين ليل أليل وبنانه وجنانه ولسانه في الصائمين وغيره قد أفطروا يسقي الهداة الصرخدي معتقا جمع الشريعة والحقيقة فانثنى يا وارث الشيخ المربي ذكره من نوره أحيى الوجود وسره هذي خريدة خاطري أبرزتها كالروض لو لم يعتريه ذبوله زفت إليك هدية محفوفة لم ترض غيرك في الورى كفؤا لها إدراكها أعيى الفرزدق قبل ذا فابذل لها مهرا حلالا طيبا فنكون أسعد أهلنا في ذي الدنا وعلى النبي إلهنا صل الذي |
بدر التمام يلوح بين الأنجم قصب من الهندي لم يتثلم ما إن يزال مكرّما في المقدم حلو الطباع اللوذعي المقرم ـي الأبطحي اليثربي الزمزمي مبرورة من غير ما متوهم فالحال شاهدة ولم تتكلم بالوعظ والتهليل غير مصرم بالخوف والتقوى ونفع المسلم عزب الرقاد به ويوم أيوم للبذل والتعليم للمتعلم في القائمين وغيره في النوم يسقي العداة بكل صاب علقم عنه المريد بغبطة وتنعم الفاضل النبه الإمام المكرم أحيى القلوب فيا له من منعم في الحلي والديباج مثل الجيلم كالسحر إلا أنها لم تحرم ألقت إليك بكفها والمعصم إذ أنت فرد الناس دون توهم ولو استعان بخاله ومتمم بين التراد وعابدين وسلم وننال منك سعادة في المختم قربته ثم اصطفيت وسلم |
الشهادة النثرية من صاحب كتاب الفتح المبين أبو بكر بن أحمد المصطفى المحجوبي نسبا الولاتي وطنا التكروري إقليما
كان صاحب الترجمة جامعا بين الشريعة و الحقيقة مع سياسة الدنيا و أهلها صاحب الكرامات الظاهرة و الأفعال الفاخرة و الأحوال الخارقة.
وكان له الباع الطويل في علم الأصول و الفروع بل متبحرا في جميع الفنون من فقه وحديث وقرآن و أصول وفروع ومعقول ومنقول، جمع بين العلم والعمل وسياسة العامة والخاصة.
وقد رأيته ، ولله الحمد ست مرات وجالسته ولا أقول فيه إلا تبارك الله أحسن الخالقين وأنا أشهد على خصوصيته مع الله تعالى و استقامته على شريعته وهي أكبر وأعلى كرامات الأولياء (…) وله ذرية صالحون بارون له مطيعون كوالده رضي عنهما ونفعنا بهما آمين.
وكان مداوما على طاعة الله من صغره إلى أن توفي في رحمة الله تعالى.ولم يترك شيئا من نوافل الخير. وكان له اليقين الثابت المتمكن لا يتزلزل عند نزول الشدائد والملمات بل يزداد يقينه في الله تعالى غرس الله تعالى في قلبه أشجار المعرفة واليقين وفاضت عليه بحور أسرار الله تعالى المكتومة عن غيره وأطلعه الله تعالى على كنوز علوم القرآن ومعارفه وخواصه وقد جعله الله تعالى إماما من الأئمة في علم الحقيقة و الشريعة.
يقتدى به فيهما مع سياسة أهل الدنيا وكان معظما مكرما مهابا عند الخاصة و العامة. وكان حسن الخلق هينا لينا حلو المنطق حسن السمت لا يواجه أحدا بما يكره يبشر تلامذته ويأمرهم برفق ولا ينفرهم ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون مستعملا للحديث المشهور “يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا”.
وكان رضي الله عنه سخيا من الأسخياء يصل القريب والبعيد بمعروفه وقد جبله الله على الأخلاق المرضية. يفرح للسائل إذا أتاه ويلقاه بطلاقة الوجه والبسط ويلاطفه في القول. يلقى الأضياف بالطلاقة والبسط ويحسن عليهم غاية الإحسان بما يشتهون من (…) يوم قدومهم إلى يوم رحيلهم ولو مكثوا عنده سنة. وضيفه لا يشبع.
كامل الاستقامة متأدبا بين يدي الله تعالى متخلقا بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم يحب في الله ويبغض في الله ويعطي بالله ويمنع به. حسن الخلق مع الأقارب و الأجانب لا يواجه أحدا بما يكره ولا يدعوه إلا بأحب أسمائه إليه : يا أبي ويا أخي ويا حبيبي ويا صديقي ويا سيدي يرحم الصغير ويوقر الكبير.
الصغير عنده كبير والكبير عنه فوق ذلك رضي الله عنه ونفعنا به آمين
توفي رحمه الله (1311هـ1894- م) وأما خاتمته رضي الله عنه وأرضاه – يقول شيخنا الشيخ سعدبوه- فهو أنه لما مرض جعل يسأل عن الأيام كلما أتى عليه يوم يقول ما هذا اليوم فيقولون يوم كذا فلما كان صبيحة الجمعة سألهم عنه فأخبروه فقام وتوضأ وصلى الصبح وجلس مستقبلا القبلة حتى حل النفل فأضجع على يمينه وخرجت روحه في حفظ الله وأمانته وأرضاه آمين .